قذف رئيس مجلس النواب نبيه بري، كرته الوطنية ،وسجل هدفا ذهبيا في شباك الطائفيين، ورمى شباكه على السياسيين اللبنانيين لاصطيادهم وطنيا،لكنه عاد خالي الوفاض ، وتمكن أكثرهم من التخلص ، وآثر البقاء في حصن الطائفية السياسية ، التي قتلت عمدا، (العدالة بين المواطنين) ووفرت "اكسير الحياة" للزعماء والسياسيين والعائلات السياسية بحيث أن الشعار لكل زعيم أو مشروع قائد، هو حفظ مصالح الطائفة التي ينتمي إليها،وفق رؤيته ومنهجيته ،وليس وفق مصالحها وأسلوبها ... وصحيح أن الآقربين من الطائفة أو المنطقة أو التنظيم أولى من غيرهم ، لكن بشروط أساسية ،أهمها أن تذوب مصالح الطائفة، لصالح المصلحة الوطنية ، وأن تتكامل الطوائف لبناء وطن ودولة ، لا أن توزع الدولة والوطن على الطوائف عبر وكلائها الحصريين من بيوت سياسية ، أو أحزاب عائلية ، حيث تحولت هذه المسميات إلى وارث حقيقي لكل ممتلكات الدولة من مناصب سياسية وإدارية ، تبقي من تشاء وتمنع من تشاء.
والسؤال المطروح…؟
هل أن طرح مشروع بحث وليس إلغاء الطائفية السياسية ، تعتبر كلاما شاذا يعكر صفو الوحدة الوطنية ، أم أن هذا السؤال المشروع،يشكل اختبارا جديا للنوايا، التي يبطنها الجميع ويبدون عكس ما يبطنون.
فإذا كان إلغاء الطائفية السياسية يشكل تهديدا لوجود بعض الشرائح اللبنانية ، أو تقييدا لمشاركتها ، أو هدما لحصونها ومن اجل قيام وحدة وطنية حقيقية ،لابد أن يأخذ البعض بهواجس ومخاوف البعض الآخر ، للعمل على حلها وطمأنة الجميع ، وانطلاقا من هذا حاول الرئيس بري أن يسير عبر ثلاث طرق متوازية هي ( إلغاء الطائفية السياسية - مجلس الشيوخ- واللامركزية الإدارية ) ، وكلها ضمن حزمةالآمان المصلحية أي عبر(المناصفة)في الوظائف.
فإذا كان المسيحيون يخافون من الذوبان في البحر الإسلامي ، نتجية الخلل في العدد ، فيمكن التفتيش عما يحفظ مصالحهم و من يمثلهم وهذا حق لهم وواجب على شركائهم المسلمين ، خاصة مع ما يتعرضون له في العراق وفلسطين ، وإذا كانت بعض الطوائف تشعر بانها من الصف الثاني فلا بد من النظر إلى مخاوفها ايضا… وإذا كانت الأغلبية تصر على إبقاء الطائفية السياسية ، فلماذا عدم الإعتراف بهذه ( اللقيطة) التي ينكرها الجميع ، ومن ثم يتمسكون بها ، لأن النظام قد بني على أساسها ، وكذلك تنظيم الإدارة والميثاق الوطني وبدون قفازات خادعة.
المشكلة في لبنان المريض منذ الإستقلال ، والذي عاش في العناية الفائقة أكثر من نصف عمر استقلاله ، أنه لا يعترف بمرضه ، وإن اعترف لا يداويه بالدواء الفعال ، ويصر على أنه لا زال في عمر الشباب رغم المصاعب والحمى التي تنتابه ، إما حربا أهلية طائفية ، وإما حربا مذهبية وإما حربا بين أهل المذهب الواحد.
أيها اللبنانيون ، إما أن تعترفوا بالطائفية السياسية ، كمنظومة حاكمة وضابطة للعلاقات بينكم ، أو تتخلوا عنها ، وتتحرروا من عصبياتكم وطوائفكم ، أو فلتنظموا هذا المخدر السياسي ، الذي يفتك باللبنانيين ومؤسساتهم وأحزابهم حتى الإدمان الطائفي والمذهبي ليلامس العنصرية في بعض الأحيان.
من لا يريد إلغاء الطائفية السياسية والسلوكية الإعلامية والتربوية، فليعمدعلى الأقل، لقطع الطريق على المدرسة المذهبية ، والتلفزيون المذهبي والجريدة المذهبية ، والجامعة المذهبية والمستشفى المذهبي والمقهى المذهبي ... فكيف يمكن إلغاء الطائفية ونحن نبني أعشاشها في كل حي ومنطقة ، ونغرسها في عقول اطفالنا قبل الولادة... وبعدها.